فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



على أنه قد يدعى أن خلق شيء لا من شيء أصلًا محال فلا يكون من مراتب القدرة ومادة الجعل الإبداعي الأعيان الثابتة وهي قديمة اه، ولا يخلو عن بحث، وما ذكرناه في التعليل أسلم من القال والقيل فتدبر، ونصب {بَشَرًا} [مريم: 17] على الحالية المقدرة أو التميزي، وقيل على المفعولية بتضمين تمثل معنى اتخذ، واستشكل أمر هذا التمثل بأن جبريل عليه السلام شخص عظيم الجثة حسبما نطقت به الأخبار فمتى صار في مقدار جثة الإنسان يلزم أن لا يبقى جبريل أن تساقطت الأجزاء الزائدة على جثة الإنسان وأن تتداخل الأجزاء إن لم يذهب شيء وهو محال.
وأيضًا لو جاز التمثل ارتفع الوثوق وامتنع القطع بأن هذا الشخص الذي يرى الآن هو زيد الذي رئى أمس لاحتمال التمثل، وأيضًا لو جاز التمثل بصورة الإنسان فلم لا يجوز تمثله بصورة أخرى غير صورة الإنسان، ومن ذلك البعوض ونحوه، ومعلوم أن كل مذهب يجر إلى ذلك فهو باطل، وأيضًا لو جاز ذلك ارتفع الوثوق بالخبر المتواتر كخبر مقاتلة النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر لجواز أن يكون المقاتل المتمثل به.
وأجيب عن الأول بأنه لا يمتنع أن يكون لجبريل عليه السلام أجزاء أصلية قليلة وأجزاء فاضلة فبالأجزاء الأصلية يكون متمكنًا من التمثل بشرًا هذا عند القائلين بأنه جسم، وأما عند القائلين بأنه روحاني فلا استبعاد في أن يتدرع تارة بالهيكل العظيم وأخرى بالهيكل الصغري.
وعن الثاني بأنه مشترك الإلزام بين الكل فإن من اعترف بالصانع القادر يلزمه ذلك أيضًا إذ يجوز أن يخلق سبحانه مثل زيد مثلًا ومع هذا الجواز يرتفع الوثوق ويمتنع القطع على طرز ما تقدم.
وكذا من لم يعترف، وأسند الحوادث إلى الاتصالات والتشكلات للفلكية يلزمه ذلك لجواز حدوث اتصال يقتضي حدوث مثل ذلك وحينئذ يمتنع القطع أيضًا، ولعله لما كان مثل ذلك نادرًا لم يلزم منه قدح في العلوم العادية المستندة إلى الإحساس فلا يلزم الشك في أن زيدًا الذي نشاهده الآن هو الذي شاهدناه بالأمس.
وأجيب عن الثالث بأن أصل التجويز قائم في العقل وإنما عرف فساده بدلائل السمع.
وهو الجواب عن الرابع كذا قال الإمام الرازي وعندي أن مسألة التمثل على القول بالجسمية مما ينبغي تفويض الأمر فيها إلى علام الغليوب ولا سبيل للعقل إلى الجزم فيها بشيء تنشرح له القلوب.
وإنما ذكرته تعالى بعنوان الرحمانية تذكيرًا لمن رأته بالرحمة ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه أو مبالغة للعياذة به تعالى واستجلابًا لآثار الرحمة الخاصة التي هي العصمة مما دهمها.
وما قيل من أن ذلك تذكير لمن رأت بالجزاء لينزجر فإنه يقال يا رحمن الآخرة ليس بشيء لأنه ورد رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما {إِن كُنتَ تَقِيًّا} شرط جوابه محذوف ثقة بدلالة السياق عليه أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله تعالى وتخشاه وتحتفل بالاستعاذة به فإني عائذة به منك كذا قدره الزمخشري.
وفي (الكشف) أنه أشار إلى أن وجه هذا الشرط مع أن الاستعاذة بالرحمن إن لم يكن تقيأ أولى أن أثر الاستجارة بالله تعالى أعني مكافته وأمنها منه إنما يتم ويظهر بالنسبة إلى المتقى، وفيه دلالة على أن التقوى مما تقتضي للمستعيذ بالله تعالى حق الذمام والمحافظة وعلى عظم مكان التقوى حيث جعلت شرطًا للاستعاذة لا تتم دونها وقال: إن كان يرجى إظهارًا لمعنى أن وإنها إنما أوثرت دلالة على أن رجاء التقوى كان فضلًا عن العلم بها.
والحاصل أن التقوى لم تجعل شرط الاشتعاذة بل شرط مكافته وأمنها منه وكنت عن ذلك بالاستعاذة بالله تعالى حثًا له على المكافة بألطف وجه وأبلغه وإن من تعرض للمستعيذ به فقد تعرض لعظيم سخطه انتهى.
وقدر الزجاج إن كنت تقيًا فتتعظ بتعويذي، والأولى عليه تتعظ بإسقاط الفاء لأن المضارع الواقع جوابًا لا يقترن بالفاء فيحتاج إلى جعله مرفوعًا بتقدير مبتدأ، وقدر بعضهم فاذهب عني وبعضهم فلا تتعرض بي وقيل إنها أرادت إن كنت تقيًا متورعًا فإني أعوذ منك فكيف إذا لم تكن كذلك وكأنه أراد أنها استعاذت بهذا الشرط ليعلم استعاذتها بما يقابله من باب أولى، وقال الشهاب: الظاهر أن إن على هذا القول وصلية وفي مجيئها بدون الواو كلام، وذكر أن الجملة على هذا حالية والمقصود بها الالتجاء إلى الله تعالى من شره لا حثه على الانزجار وقيل نافية، والجملة استئناف في موضع التعليل أي ما كنت تقيًا متورعًا بحضورك عندي وانفرادك بي وهو خلاف الظاهر، وأيًا كان فالتقى وصف من التقوى، وقول من قال: إنه اسم رجل صالح أو طالح ليس بسديد.
{قَالَ إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} المالك لأمرك والناظر في مصلحتك الذي استعذت به ولست ممن يتوقع منه ما توهمت من الشر. روى عن ابن عباس أنها لما قالت: {إني أعوذ} [مريم: 18].. إلخ. تبسم جبريل عليه السلام وقال: {قَالَ إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} {لاِهَبَ لَكِ غلاما} أي لأكون سببًا في هبته بالنفخ في الدرع، ويجوز أن يكون حكاية لقوله تعالى بتقدير القول أي ربك الذي قال أرسلت هذا الملك لأهب لك، ويؤيده قراءة شيبة وأبي الحسن وأبي بحرية والزهري وابن مناذر ويعقوب واليزيدي وأبي عمرو ونافع في رواية ليهب بالياء فإن فاعله ضمير الرب تعالى.
وما قيل: من أصل {ليهب} لأهب فقلبت الهمزة ياء لانكسار ما قبلها تعسف من غير داع له.
وفي بعض المصاحف: أمرني أن أهب لك غلامًا {غلاما زَكِيًّا} طاهرًا من الذنوب، وقيل: نبيًا.
وقيل: ناميًا على الخير أي مترقيًا من سن إلى سن على الخير والصلاح فالزكا شامل للزيادة المعنوية والحسية واستدل بعضهم برسالة الملك إليها على نبوتها.
وأجيب: بأن الرسالة لمثل ذلك لا تستدعي النبوة.
{قَالَتْ أنى يَكُونُ لِى غلام وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ}.
أي والحال أنه لم يباشرني بالحلال رجل وإنما قيل بشر مبالغة في تنزهها من مبادىء الولادة {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} أي ولم أكن زانية، والجملة عطف على لم يمسسني داخل معه في حكم الحالية مفصح عن كون المساس عبارة عن المباشرة بالحلال وهو كناية عن ذلك كما في قوله تعالى: {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] {أَوْ لامستم النساء} [النساء: 43] ونحوه كما قيل دخلتم بهن وبنى عليها.
وأما الزنا فليس بقمن أن يكنى عنه لأن مقامه أما تطهير اللسان فلا كناية ولا تصريح وإما التقريع فحينئذ يستحق الزيادة على التصريح والألفاظ التي يظن أنها كناية فيه قد شاعت حتى صارت حقيقة صرحية فيه ومنها ما في الظن الكريم، ولا يرد على ذلك ما في سورة آل عمران من قولها {وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ} مقتصرة عليه فإن غاية ما قيل فيه إنه كناية عن النكاح والزنا على سبيل التغليب، ولم يجعل كناية عن الزنا وحده، ولقائل أن يقول: أنه ثم كناية عن النكاح فقد كما هنا واستوعبت الأقسام هاهنا لأنه مقام البسط واقتصرت على نفي النكاح ثم لعدم التهمة ولعلمها أنهم ملائكة ينادون لا يتخيلون فيها التهمة بخلاف هذه الحالة فإن جبريل عليه السلام كان قد أتاها في صورة شاب أمرد، ولهذا تعوذت منه ولم يكن قد سكن روعها بالكلية إلى أن قال: {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} [مريم: 19] على أنه قيل: إن ما في آل عمران من الاكتفاء وترك الاكتفاء في هذه لأنه تقدم نزولها فهي محل التفصيل بخلاف تلك لسبق العلم، وقيل: المساس هنا كناية عن الأمرين على سبيل التغليب كما في تلك السورة {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} تخصيص بعد التعميم لزيادة الاعتناء بتنزيه ساحتها عن الفحشاء، ولذا آثرت كان في النفي الثاني فإن في ذلك إيذانًا بأن انتفاء الفجور لازم لها. وكأنها عليها السلام من فرط تعجبها وغاية استبعادها لم تلتفت إلى الوصف في قول الملك عليه السلام {لأهب لك غلامًا زكيًا} [مريم: 19] النافي كل ريبة وتهمة ونبذته وراء ظهرها وأتت بالموصوف وحده وأخذت في تقرير نفيه على أبلغ وجه أي ما أبعد وجود هذا الموصوف مع هذه الموانع بله الوصف، وهذا قريب من الأسلوب الحكيم.
وبغى فعول عند المبرد وأصله بغوى فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وكسرت الغين اتباعًا ولذا لم تلحقه هاء التأنيث لأن فعولًا يستوي فيه المذكور والمؤنث وإن كان بمعنى فاعل كصبور، واعترضه ابن جني في كتاب التمام بأنه لو كان فعولًا قيل بغو كما قيل نهو عن المنكر ورد بأنه لا يقال على الشاذ وقد نصوا على شذوذ نهو لمخالفته قاعدة اجتماع الواو والياء وسبق إحداهما بالسكون واختار أنه فعيل وهو على ما قال أبو البقاء بمعنى فاعل، وكان القياس أن تلحقه هاء التأنيث لأنه حينئذ ليس مما يستوي فيه المذكر والمؤنث كفعول، ووجه عدم اللحوق بأن للمبالغة التي فيه حمل على فعول فلم تلحقه الهاء، وقال بعضهم: هو من باب النسب كطالق ومثله يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقيل ترك تأنيثه لاختصاصه في الاستعمال بالمؤنث ويقال للرجل باغ وقيل فعيل بمنى مفعول كعين كحيل وعلى هذا معنى بغى يبغيها الرجال للفجور بها، وعلى القول بأنه بمعنى فاعل فاجرة تبغي الرجال، وأيًا ما كان فهو للشيوع في الزانية صار حقيقة صريحة فيه فلا يرد أن اعتبار المبالغة فيه لا يناسب المقام لأن نفي الأبلغ لا يستلزم نفي أصل الفعل، ولا يحتاج إلى الجواب بالتزام أن ذلك من باب النسب أو بأن المراد نفي القيد والمقيد معًا أو المبالغة في النفي لا نفي المبالغة.
{قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} اطلقوا الكلام في أنه نظير ما تقدم في قصة زكريا عليه السلام.
وفي (الكشف) أنه لا يجري فيه تمام الأوجه التي ذكرها الزمخشري هناك لأن {قَالَ} أولًا فيه ضمير الرسول إليها فكذلك إن علق بالثاني يكون المعنى قال الرسول قال ربك كذلك ثم فسره بقوله: {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أو المعنى مثل ذلك القول العجيب الذي سمعته ووعدتك قال ربك على إقحام الكاف ثم استأنف هو على هين ولابد من إضمار القول لأن المخاطب لها جبريل عليه السلاكم وقوله: {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} كلام الحق تعالى شأنه حكاه لها.
وإن علق بالأول يكون المعنى الأمر كذلك تصديقًا لها أو كما وعدت تحقيقًا له ثم استأنف قال ربك هو على هين لإزالة الاستبعاد أو لتقرير التحقيق ولاي بعد أن يجعل {قَالَ رَبُّكِ} على هذا تفسيرًا وكذلك مبهمًا انتهى.
ولا أرى ما نقل عن ابن المنير هناك وجهًا هنا {وَلِنَجْعَلَهُ} تعليل لمعلل محذوف أي لنجعل وهب الغلام {ءايَةً} وبرهانًا {لِلنَّاسِ} جميعهم أو المؤمنين على ما روى عن ابن عباس يستدلون به على كمال قدرتنا {وَرَحْمَةً} عظيمة كائنة {مِنَّا} عليهم يهتدون بهدايته ويسترشدون بإرشاده فعلنا ذلك. وجوز أن يكون معطوفًا على علة أخرى مضمرة أي لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله آية إلخ.
قال في (الكشف): إن مثل هذا يطرد فيه الوجهان ويرجح كل واحد بحسب المقام وحذف المعلل هنا أرجح إذ لو فرض علة أخرى لم يكن بد من معلل محذوف أيضًا فليس قبل ما يصلح فهو تطويل للمسافة.
وهذه الجملة أعني العلة مع معللها معطوفة على قوله: {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} وفي إيثار الأولى اسمية دالة على لزوم الهون مزيلة للاستبعاد والثانية فعلية دالة على أنه تعالى أنشأه لكونه آية ورحمة خاصة لا لأمر آهر ينافيه مرادًا بها التجدد لتجدد الوجود لينتقل من الاستبعاد إلى الاستحماد ما لا يخفى من الفخامة انتهى.
ولا يرد أنه إذا قدر علة نحو لنبين جاز أن يكون ذلك متعلقًا بما يدل عليه {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} من غير حذف شيء فلا يصح قوله لم يكن بد من معلل محذوف لظهور ما فيه.
وما ذكره من العطف خالف فيه بعضهم فجعل الواو على الأول اعتراضية.
ومن الناس من قال: إن {لنجعله} على قراءة {ليهب} [مريم: 19] عطف عليه على طريقة الالتفات من الغيبة إلى التكلم.
وجوز أيضًا العطف على {لأهَبَ} [مريم: 19] على قراءة أكثر السبعة.
ولا يخفى بعد هذا العطف على القراءتين {وَكَانَ} ذلك {أَمْرًا مَّقْضِيًّا} محكمًا قد تعلق به قضاؤنا الأزلي أو قدر وسطر في اللوح لابد لك منه أو كان أمرًا حقيقًا بمقتضى الحكمة والتفضل أن يفعل لتضمنه حكمًا بالغة. وهذه الجملة تذييل إما لمجموع الكلام أو للأخير. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ} أي: القرآن: {مَرْيَمَ} أي: نبأها: {إِذِ انْتَبَذَتْ} أي: اعتزلت وانفردت: {مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} أي: شرقي بيت المقدس. لئلا يشغلوها عن.....
{فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} أي: لئلا تحجبها رؤية الخلق عن أنوار الحق: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} أي: جبريل المنسوب إلى مقام عظمتنا، لغاية كماله، لينفخ فيها: {فَتَمَثَّلَ لَهَا} أي: فتصور لرؤيتها: {بَشَرًا سَوِيًّا} أي: سويّ الخلق، كامل الصورة.
{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ} أي: أعتصم به منك. إنما خافته لانفرادها في خلوتها، وظنها أنه يريدها على نفسها. وفي ذلك من الورع والعفاف ما لا غاية وراءه: {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} أي: تتقي الله تعالى، وتبالي بالاستعاذة به. وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة السياق عليه. أي: فإني عائذة به. أو فلا تتعرض لي. وإنَّما ذكّرته بالله تعالى، لأن المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل. فخوفته أولًا بالله عز وجل.
{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ} أي: لا تخافي ولا تتوقعي ما توهمت. فإني رسول ربك الذي استعذت به، بعثني إليك: {لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} أي: لأكون سببًا في هبته. والزكيّ: الطاهر من الذنوب أو النامي على الخير.
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} أي: تعجبت من هذا وقالت: كيف يكون لي غلام، أي: على أي: صفة يوجد مني، ولست بذات زوج ولا يتصور مني الفجور؟.

.قال الزمخشريّ:

جعل المس عبارة عن النكاح الحلال، لأنه كناية عنه. كقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] و [المائدة: 6]، والزنى ليس كذلك. إنما يقال فيه فَجَرَ بهَا، وخبث بها وما أشبه ذلك. وليس بقَمنٍ أن تراعى فيه الكنايات والآداب. وإنما اقتصر في سورة آل عِمْرَان على قوله: {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عِمْرَان: 47]، لكون هذه السورة متقدمة النزول عليها. فهي محل التفصيل. بخلاف تلك. فلذا حسن الاكتفاء فيها. وقيل: جعل المس ثَمَّ، كناية عنهما، على سبيل التغليب. والبغيُّ الفاجرة التي تبغي الرجال. ووزنه فعول ولذا لم تلحقه التاء، لأنه يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإن كان بمعنى فاعل كصبور. أو فعيل بمعنى فاعل، ولم تلحقه التاء لأنه للمبالغة.
{قَالَ} أي: الملك: {كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} أي: برهانًا يستدلون به على كمال قدرة بارئهم وخالقهم الذي نوع خلقهم. فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى. وخلق حواء من ذكر بلا أنثى. وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر. فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه: {وَرَحْمَةً مِنَّا} أي: عليك بهذه الكرامة، وعلى قومك بالهداية والدعاء إلى عبادة الله وتوحيده، فيهتدون بهديه ويسترشدون بإرشاده. وقوله: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} من تتمة كلام جبريل لمريم. يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته. أو من خبره تعالى لنبيه صلوات الله عليه. وأنه كنى به عن النفخ في فرجها. كما قال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12]، وقال: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91]. اهـ.